ما البدايات الأولى لورق الحائط؟
يعتقد البعض بأن ورق الحائط هو من المواد التي دخلت حديثاً إلى عالم الديكور. وربما يكون سبب هذا الاعتقاد، هو الانتشار اللافت لهذه المادة في التصاميم الداخلية الحديثة والمعاصرة. ولكن في الحقيقة، فإن ورق الحائط هو مادة قديمة تم البدء باستخدامها في الديكورات الداخلية لمنازل الملوك والأمراء وكبار التجار منذ وقت طويل. ولكنه لم ينتشر بالشكل الكافي ليشمل الطبقات الشعبية إلا بعد التطورات التقنية التي جاءت مع الثورة الصناعية في أوروبا، والتي أدت إلى التحول من الصناعة اليدوية إلى الصناعة الآلية. الأمر الذي أدى بدوره إلى زيادة الإنتاج، ومن ثم انخفاض الأسعار. وقد اعتُبر هذا التحول بمثابة نقلة ديموقراطية في مجال استخدام ورق الحائط. حيث لم يعد حكراً على الأغنياء وأصحاب المناصب الرفيعة فقط.
سنتحدث في هذه المدونة عن تاريخ ورق الحائط. وقد رأينا تقسيمه إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى، وتمتد من بداية ظهور ورق الجدران وحتى نهاية القرن السابع عشر. والمرحلة الثانية التي تمتد على مدى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. أما المرحلة الثالثة، فهي الممتدة من مطلع القرن العشرين وحتى المرحلة المعاصرة.
المرحلة الأولى لورق الحائط: من البدايات وحتى أواخر القرن السابع عشر
نظراً لطبيعة ورق الجدران فإنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، الحصول على النماذج التي تسمح بمعرفة التاريخ الحقيقي لاستخدامه كمادة ديكورية. ولكن جميع المعلومات تتقاطع لتدل على أن أول من استخدم ورق الجدران هم الصينيون. وهناك من يدّعي بأن هذه المادة كانت تستخدم في التصاميم الداخلية الصينية منذ عام 200 قبل الميلاد. وقد تطرق الرحالة المشهور ماركو بولو إلى هذا الموضوع عندما تحدث عن اندهاشه من عظمة التصاميم الداخلية التي شاهدها أثناء زيارته للصين في كتابه “عجائب العالم” الصادر عام 1298 ميلادي.
كان الرسامون الصينيون يرسمون أشكالاً مختلفة على ورق الأرز، وخصوصاً النباتات والورود المختلفة والطيور، ثم يقومون بإضافة الألوان يدوياً باستخدام ريشة أو فرشاة الدهان. وقام الأوروبيون بعد ذلك باستيراد هذه المادة من الصين لاستخدامها في تزيين منازلهم الفخمة. ويقال بأن ذلك قد حصل لأول مرة في القرن السادس عشر، وكانت على شكل مستطيلات ذات أبعاد صغيرة نسبياً (30.48 سم × 45.72 سم). ولكن استخدامها كان ضيق الانتشار بسبب هشاشتها وصعوبة نقلها من مسافات بعيدة. إضافة إلى أن المادة التي كانت سائدة وتستخدم بكثرة لتزيين جدران منازل الأغنياء في أوروبا، هي الجلود المصنعة في قرطبة، تلك الجلود التي كانت تعتبر مادة نبيلة ذائعة الصيت.
أدت الصعوبات التي رافقت الاستيراد من الصين، والأسعار التي أصبحت باهظة بعد فرض التاج البريطاني لضريبة جديدة على ورق الجدران المستورد، باعتباره من المواد الفاخرة (الكمالية)، إلى دفع الأوروبيين إلى التفكير بصناعة ورق الجدران بأنفسهم. وقد لعبت إنكلترا الدور الأول في هذا المجال وتلتها مباشرة فرنسا. وبالنسبة لصناعة ورق الجدران في أوروبا، فإن أول مستند تاريخي بهذا الشأن يعود إلى مرسوم ملكي صادر في نهاية القرن السادس عشر عام 1581 ميلادي، بخصوص تنظيم حرفة المهنيين المختصين بصناعة الورق الملون، الذي كان يستخدم في مجالات الزخرفة والتغليف.
شاهد أجمل تصاميم ورق الجدران من أفخم الماركات الأوروبية والأمريكية في متجر الدار الإلكتروني
المرحلة الثانيةلورق الجدران: التطورات خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر
ظهر ورق الجدران بالشكل الذي نعرفه اليوم اعتباراً من مطلع القرن الثامن عشر في إنكلترا، حيث قام الإنكليز بلصق أطراف أطباق الورق مع بعضها قبل القيام بطباعة الأشكال والرسوم المختلفة عليها. وكان ذلك من خلال استخدام ألواح خشبية محفور عليها أشكال مختلفة (كليشيهات). وهكذا ظهرت لفافات ورق الجدران (الرولو). وتعمم بعد ذلك استخدام هذا الشكل من الورق المتصل.
كان وضع الألوان على ورق الجدران، في بداية القرن التاسع عشر، يتم باستخدام الألواح الخشبية. وكان يستخدم لكل لون لوح خشبي (كليشيه) خاص. فإذا كان الرسم المطبوع على الورق يشمل خمسة ألوان مثلاً، يجب استخدام خمس كليشيهات لتلوين الورق.
بعد ذلك تطورت الكليشيهات وظهرت بشكل أسطواني، مما جعل عملية الطباعة أكثر يسراً بالإضافة إلى زيادة الإنتاجية.
ومن ثم واعتباراً من ثلاثينيات القرن التاسع عشر، تمت مكننة الإنتاج بعد أن ظهرت الآلات الميكانيكية المخصصة لطباعة الأشكال والرسوم على ورق الجدران. وكانت تلك الآلات تعمل بقوة البخار. وفي ثمانينينات القرن التاسع عشر ظهرت آلات قادرة على طباعة رسوم وأشكال بثلاثة عشر لوناً. وذلك في ولاية نيو جرسي في الولايات المتحدة الأمريكية. كما استطاع أحد المعامل الفرنسية في أواخر القرن التاسع عشر من إنتاج ورق جدران عليه لوحة تمثل المعرض العالمي في باريس. وكانت بأربعة وعشرين لوناً. أما في ألمانيا فقد ظهرت تقنية جديدة للطباعة على الورق، وذلك بطريقة الدمغ أو النقش.
لقد أدت المكننة والتطوير المستمر لآلات الطباعة إلى انتشار ورق الجدران الذي يحمل الرسوم المتكررة. كما أدت زيادة الإنتاج إلى دخول هذه المادة الديكورية إلى منازل الطبقات الشعبية وأصحاب الدخول المتوسطة. وذلك بفضل انخفاض الأسعار الذي نجم عن زيادة العرض.
المرحلة الثالثة لورق الحائط: من مطلع القرن العشرين وحتى اليوم
في القرن العشرين، وبشكل خاص بعد الحرب العالمية الأولى، انتشر ما يعرف بالفن الزخرفي (Art Deco) ويعود الفضل فيه للفرنسيين. وأهم ما يميز هذا النمط من الفن، البساطة التي تقترن بالأناقة والراحة. وقد أثر هذا بشكل واضح وملموس على كل التصاميم الداخلية، وذلك من خلال الألوان والأشكال والخطوط التي تم اعتمادها. وقد تجلى الفن الزخرفي عملياً في مجال صناعة ورق الجدران بالأشكال الهندسية المتناظرة المختلفة التي طبعت عليه، وبانتشار استخدام الألوان التي توحي بالغنى والثروة كالذهبي والليتون. واعتباراً من النصف الثاني من القرن العشرين انتشرت طباعة الصور على ورق الجدران. كما قامت بعض المصانع بطباعة رسوم تنتمي إلى عالم الفانتازيا عليه. وهي أشبه بالرسوم التي تستخدم في أفلام الرسوم المتحركة المخصصة للأطفال.
وانتشر في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين ما يعرف باسم النمط الشعبي (pop style). وفيه تم التركيز على الألوان الزاهية مثل (الأصفر الليموني، والأخضر التفاحي، والأزرق المخضر، ولون البط، وغيرها..). كما تمت إضافة بعض المواد الصناعية إلى الورق لتحسين متانته وقابليته للتنظيف. واستمر تطور صناعة ورق الجدران في القرن الحادي والعشرين. وأهم ما يميز هذا التطور، استخدام الطابعات الرقمية ذات الدقة الفائقة والقادرة على إضافة طيف هائل من الألوان والأشكال، والتي تؤمن مشاهد بصرية ساحرة. وذلك باستخدام برمجيات الرسم بمساعدة الحاسوب (CAD).
إذا أعجبتك التصاميم السابقة من ورق الجدران جربها على جدراك الآن!
في الختام، بيّنا فيما تقدم أهم المراحل التي تتعلق بتاريخ ورق الجدران. وأوضحنا بأن الصينيين كانوا سباقين في استخدامه لإغناء تصاميمهم الداخلية. ثم عرجنا على تطور صناعته في أوروبا بدءاً من الأساليب اليدوية وانتهاء باستخدام آلات الطباعة الرقمية. ولعله من الإنصاف أن نقول بأنه إذا كان الفضل في البدء بتصنيع ورق الجدران بشكله الحالي، يعود للإنكليز، فإن الفرنسيين قد أسهموا بشكل مميز في ازدهار صناعته، وفي جعله يتبوأ مكانة رفيعة في عالم الديكور والتصميم الداخلي، وذلك بسبب الدور الفعال الذي لعبه الفنانون والحرفيون الفرنسيون.